كبرتُ يا أمي بعيدا عن عينيكِ .. هناك في غربةٍ أصبحت وطني .. وأصبحتُ لقيطها ! .. كبرتُ يا أمي وخذلني جسدي .. ليقيدني في حدوده .. وتحلق روحي شغفاً بالحرية !

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

يوم جديد - خاطرة للتفكر ( تُقرأ بدقيقتين)

يقول الدكتور مصطفى محمود بأن الله أوجدنا من العدم, وأننا يجب أن نكون ممتنين لذلك, فقد أصبحنا كائنات لها عقل وقرار وخيار بعد أن كنا عدم .. وفي أذكار الصباح نقول "الحمدلله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور", ونحمد الله على كل يوم جديد نعيشه, وغالبا ما ندعو للآخرين بطول العمر ... ممم جميل لكن .. هل فعلا نحن ممتنون لوجودنا ونستقبل أيامنا على أنها هبة من الرحمن؟ أم أنّ اليأس والروتين قد نخر بحياتنا حتى النخاع؟ بعيدا عن المثاليات, كم واحد فينا يصعب عليه الاستيقاظ لمواجهة يوم جديد؟ وهو يردد في نفسه "not another day!", كم واحد فينا أصبحت حياته رمادية؟ خالية من الألوان, لا طعم لشيء ولا معنى, حتى عباداتنا للأسف أصبحت جزءاً من الروتين, خالية من الروح, وفي معظم الأحوال تجدنا نبحث عن سعادات مادية مؤقتة كوجبة نحبها أو احتفال بأي شيء حتى أصبح الكثيرين يحتفلون ببداية كل شهر وليس فقط ببداية العام ! ... وفي أفضل الأحوال يضع البعض لنفسه أهدافا ويعيش لكي يحققها ويشغل نفسه وحياته فيها .. والمعظم يدّعي بأن رسالته وهدف وجوده بالحياة هو تربية أبناءه (لكنهم يقومون برعاية أبنائهم وجعلهم نسخ مطابقة عن آباءهم وأجدادهم, وليس تربيتهم وشتّان بين المعنيين) وحتى بعد أن يكبروا ويتزوجوا, تجده يشغل حياته بالقلق عليهم !

من ناحية أخرى, تجد الكثيرين يعيشون بشقّ الأنفس, سواء في الحروب أو السجون أو الفقر المدقع أو المرض المزمن أو الظلم الخانق, ما الذي يدفع هؤلاء للامتنان ليوم جديد من معاناتهم؟ ألم تقل مريم العذراء عندما جاءتها آلام المخاض " ليتني متُ قبل هذا وكنت نسياَ منسيا", ونحن معظم حياتنا آلام وابتلاءات فلماذا يجب علينا أن نحمد الله على إيجادنا من العدم والإمداد بأعمارنا؟ هل فهمنا معنى الحياة حقاً ؟ وأنا هنا أتكلم عن الحياة التي وهبنا الله إياها ويفترض أن نكون ممتنون فعلاً وشاكرين الله عليها, امتنان قلبي وليس ترديدا للأذكار باللسان ..


كل يوم جديد تحياه, هو عبارة عن فرصة وأمل, فرصة لتصحيح الأخطاء, فرصة للتوبة, فرصة للسعي لتحقيق الأهداف, فرصة للتعلم والفهم والإدراك. وأمل بالشفاء, أمل بالفرج وانتصار الحق, أمل بالحريّة .. اعترف بأن الحياة جداً مغرية ومضللة, فإما أن تنفتح لك فتسعى إليها ناسياً غاية وجودك, وإما أن تغلق في وجهك فتيأس وتعتكف في صومعتك مواسياً نفسك بأن هناك الحياة الآخرة, والموازنة بين الأمرين ليست بالأمر السهل أبداً، لكن تذكّر دائماً بأن الله لم يخلقك ويهبك الحياة إلا ليسعدك، فقط إن أنت أردت ذلك وفهمت غاية وجودك.