كبرتُ يا أمي بعيدا عن عينيكِ .. هناك في غربةٍ أصبحت وطني .. وأصبحتُ لقيطها ! .. كبرتُ يا أمي وخذلني جسدي .. ليقيدني في حدوده .. وتحلق روحي شغفاً بالحرية !

السبت، 25 مايو 2013

قوة الكلمة والتفكير- الحلقة الثانية


يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله - بأنه سمّى خواطره القرآنية بهذا الاسم لأنه لا يوجد شيء يُسمى تفسير القرآن, ولو أنّ القرآن يفسّر لكان أولى الناس بتفسيره هو من نُزّل عليه ! ويوافقه الرأي الدكتور أحمد عمارة إذ يقول بأنه من الأصوب تسمية تفاسير القرآن بآراء علماء الدين في تفسير القرآن, لأن كل شيخ أو عالم دين هو بشر يجتهد و يفسّر القرآن في حدود علمه وعصره.

ويرى الدكتور أحمد بأن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تشرّبناها بالتلقين والتي اساءت إلى الدين كثيرا وجعلت الكثير منا يصل لمرحلة اليأس وربما يتمنى الانتحار!

قبل البدء بسرد هذه المفاهيم أريد أن أأكد على أكثر من نقطة :

-         إقرأ هذا الموضوع بعقل  متفتح يبحث عن الحقيقة والإجابات, عقل يفهم ويربط الأمور ويحسن الظن.
-         " تواضع للعلم وكن مثل الوادي يصبُ فيه كل الخير ..ولا تكن كالجبل الأقرع لا تثثبت عليه نقطة ماء" د. محمد بدرة
-         "مجاهدٌ يخطئ ويصيب خيرٌ من قاعدٍ مثبِّط، ومجتهد يخطئ ويصيب خيرٌ من مقلِّدٍ بليد" د. محمد الشنقيطي
-         كثير منا عنده آراء لعلماء أو فقهاء أوساسة أو شيوخ وهذه الأقوال مقدمة ومسلمة، ولا يمكن تجاوزها ولا مناقشتها فكيف سنضيف أو نطور إذاً؟  د.سلمان بن فهد العوده
-         دائما كل انسان متعلم مستخدم لعقله يكون له فهم خاص به للدين, كان ذلك في كل الحضارات وفي كل العصور وسيظل كذلك, ودائما ما يكون فهم العلماء والمفكرين للحقيقة مختلف عن فهم العامة التابعين لرجال الدين الذين يقودونهم ويوجهون افكارهم, وغالبا ما يكون الاقلية المفكرة مكفرة من الاغلبية المقلدة والغير مفكرة, قد تكون بعض أفكار د.  أحمد عمارة صادمة و مخالفة للفهم المعروف  (ليس من الضروري ان نتوافق معه كلية ) لكنها قد تساعد في تحريك العقول واخراجها من ظلام الجهل واتباع الخرافات, قال تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) الأعراف آية 179
بسم الله نبدأ ..

خلقنا الله لنعبده (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: 56,

و أفضل العبادة هو الدعاء , عن ابن عباس رضي الله عنه: " أفضل العبادة هو الدعاء " ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ),

والدعاء هو : قال الخطابي: "معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه" - شأن الدعاء (ص4),

وأفضل الدعاء هو الحمد قال صلى الله عليه وسلم (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله )

إذن.. فالله تعالى خلقنا لكي ندعوه فيستجيب لنا فنحمده ونشكره فيزيدنا.

قانون الحياة هو اليسر, قال تعالى: (يريد الله بكم اليُسر ولا يريدُ بكم العُسر. البقرة 185), وقال: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى), لاحظوا هنا كيف أنّ الله استخدم لفظ التيسير لليسرى أو للعسرى, مهما كان اختيار الإنسان فالتيسير بالحياة هو القاعدة.

مما تقدم يتضح لنا بأن الله خلقنا لنعيش الحياة بيسر ونستمتع بخيراتها كما أمرنا مما يستوجب الحمد والشكر, وهذا يخالف الاعتقاد السائد بأنّ الأصل في الدنيا هو الابتلاء والمكابدة والشقاء ، وقد ينعم الإنسان ويسعد ، ولكن النعيم والسعادة شيئان طارئان غير دائمين !

من وجهة نظري أرى أن الكثير من المشايخ وأتباعهم من عامة الناس, صوّروا لنا بأن المؤمن الحق هو من يتخلى عن الدنيا ويعيش فيها تعيسا تحاصره الابتلاءات, لكي ينال الجنة! ونشروا مفهوم الابتلاء بطريقة سلبية وبالغوا في استخدام أسلوب الترهيب والتخويف, مع أن رسول الله قال: " بشّروا ولا تنّفروا".

الابتلاء أو البلاء معناه الاختبار, وقد يكون الابتلاء إيجابي بالخير كالمال والأولاد وقد يكون سلبي بالشر كالفقر والمرض.

وقد انتشر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم – حديث (إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه) والأصح { إذا أحب الله قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط }, وقد تم تفسير هذا الحديث بأسلوب منفّر للأسف وذلك بأن هذا البلاء سلبي.

ملاحظة مهمة: الإبتلاءات السلبية يكون في ظاهرها العذاب وفي باطنها الرحمة, إذا صبر العبد  ورضي, لذلك فإن كل الابتلاءات خير فلا داعي للتشاؤم والقنوط والحزن فأنت الرابح أولا  وأخيرا.

حقيقة مهمة: البلاءات التي تنزل بالعاصي تذكير وإنذار حتى يعود ويؤوب ويتوب , والبلاءات التي تنزل بالمؤمن تطهير وتمحيص وتكفير لسيئاته وذنوبه , ورفع لدرجاته وستر لعيوبه , قال تعالى {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141) سورة آل عمران

وقال صلى الله عليه وسلم : « ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (صحيح الجامع).

الكثير من المشايخ والناس يستخدم الآية ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ليبين أن حياتنا كلها مكابدة وعناء وهنا مفهوم  خاطئ خطير, لأنك عندما تؤمن بأن الله كتب علينا العناء في الحياة فستقتنع بذلك ولن تحاول أن تكون سعيدا.

يقول الدكتور أحمد عمارة بأنه بحث في 62 تفسيراً عن معنى الآية فوجد أن 70% منها يقول بأن كبد تعني منتصباً, و20% يقول بأن كبد تعني لابد أن يكابد أمور الدنيا والآخرة, 10% فقط يقول بأن كبد تعني شدة ووصب !

طبعا قمت بعمل بحثي الخاص ووجدت أنه اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب, وقال آخرون معناه: أن الإنسان خلق منتصبا معتدل القامة, وهناك فريق ثالث يقول بأن  معناه:  أنه خلق في السماء.

مثلا في تفسير ابن كثير,قوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) روي عن بن مسعود وبن عباس وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصبا زاد بن عباس في رواية عنه منتصبا في بطن أمه والكبد الاستواء والاستقامة ومعنى هذا القول لقد خلقناه سويا مستقيما كقوله تعالى ( يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) وكقوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).

السؤال: لماذا انتشر المعنى السلبي ولم ينتشر المعنى الآخر؟ وحتى لو كان معنى الآية مكابدة أمور الحياة, فهل بالضرورة أن تكون هذه المكابدة شيء سيء وأليم؟

 نعود الآن للعقل وقوة التفكير..  ونُأكد أنَ:

"كل ما يحدث لك من سلبيات في الحياة أنت السبب فيها بنسبة 100% حتى لو كنت تظن أنها جاءتك عن طريق لا دخل لك فيه, هذا مجرد ظن, لكن الحقيقة أنك السبب في كل تفاصيل حياتك السلبية."

انتبه:
" من الممتع بل من المريح جداً أنك السبب في كل ما يحدث لك من سلبيات, لأنك بهذا تملك في هذه اللحظة كل الأدوات التي تستطيع بها تغيير كل ما هو سلبي في حياتك, هي نعمة لا تقدر بثمن."

والأدلة التي تؤكد بأن كل ما يصيبنا من شر فهو من أنفسنا  وأن الله لا يبتلينا إلا بالخير (حتى لو كان ظاهره شراً), هي كثيرة بالقرآن والسنة, ونذكر منها:

·        (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) – آل عمران 165.
·        (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) – النساء 62.
·        (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) – القصص 47.
·        (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) – الشورى 30.
·        (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) – النساء 79.
·        (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) – الروم 36.
·        (وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) – آل عمران 117.
·        (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) -  الأنعام 26.
·        (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ)-الأنعام 104
·        (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) – الأنعام 164.
·        ( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) – التوبة 70.
·        (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) – يونس 44.
·        (وا ظلمنهم ولكن ظلموا أنفسهم) – هود 101.
·        (فما كان الله لظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) – الروم 9.
·        (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) – فصّلت 67.
·        (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون) – الجاثية 15.
·        (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) – الجاثية 22.
ومن الحديث النبوي:
·        عن أبي موسى - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، وقرأ : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . رواه الترمذي .
·        عن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة).
·        عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال : " إِنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِي عَبْدَهُ بِالسَّقَمِ حَتَّى يُكَفِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ كُلَّ ذَنْبٍ ".
·        عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : (الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
سأنهي هذه الحلقة بالتأكيد على أنك المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث في حياتك وستحاسب عليه, لذلك لابد من التوقف عن لوم الظروف والأهل والقدر وغيرها والبدء بالعمل.

حياتك أنت تمتلكها فاجعلها جنة.


يتبع ..
المصادر:
-         خواطر قرآنية للشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله).
-         دورة " قوة الكلمة والتفكير" للدكتور أحمد عمارة.
-         موقع صيد الفوائد. http://saaid.net/
-         تم التحقق من كل الآيات  القرآنية والأحاديث من موقع المكتبة الإسلامية. http://library.islamweb.net/newlibrary/index.php

3 التعليقات:

حنان لافي يقول...

Fawzia Asb

رائعة ياحنان، أعجبني تطرقك للسلبية التي يستميت بها دعاة الدين لنشر الدين وترهيب الناس من العذاب والحساب والعقاب وتحريم كل شيء في الحياة. لاننكر ان القران ذكر الحساب والعقاب، ولكن لماذا نغفل دائماً عن تسامح الدين الإسلامي والجزاء الحسن المذكور في الدنيا والآخرة.
بانتظار الجديد كالعادة
Sunday at 5:05pm via mob

هند الكبيسي يقول...

تدوينة رائعة حنان، مجهود كبير في التحقق من الآيات و"التفاسير". عجبني جداً التقديم للموضوع واستخدام الخط العريض لبعض الجُمل والكلمات المهمة. لعلي لم افهم جيداً نقطة أن الانسان مسؤول عن الابتلاءات السلبية التي تُقدر عليه.

غير معرف يقول...

الله يقويك

إرسال تعليق