كبرتُ يا أمي بعيدا عن عينيكِ .. هناك في غربةٍ أصبحت وطني .. وأصبحتُ لقيطها ! .. كبرتُ يا أمي وخذلني جسدي .. ليقيدني في حدوده .. وتحلق روحي شغفاً بالحرية !

السبت، 25 مايو 2013

قوة الكلمة والتفكير- الحلقة الثانية


يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله - بأنه سمّى خواطره القرآنية بهذا الاسم لأنه لا يوجد شيء يُسمى تفسير القرآن, ولو أنّ القرآن يفسّر لكان أولى الناس بتفسيره هو من نُزّل عليه ! ويوافقه الرأي الدكتور أحمد عمارة إذ يقول بأنه من الأصوب تسمية تفاسير القرآن بآراء علماء الدين في تفسير القرآن, لأن كل شيخ أو عالم دين هو بشر يجتهد و يفسّر القرآن في حدود علمه وعصره.

ويرى الدكتور أحمد بأن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تشرّبناها بالتلقين والتي اساءت إلى الدين كثيرا وجعلت الكثير منا يصل لمرحلة اليأس وربما يتمنى الانتحار!

قبل البدء بسرد هذه المفاهيم أريد أن أأكد على أكثر من نقطة :

-         إقرأ هذا الموضوع بعقل  متفتح يبحث عن الحقيقة والإجابات, عقل يفهم ويربط الأمور ويحسن الظن.
-         " تواضع للعلم وكن مثل الوادي يصبُ فيه كل الخير ..ولا تكن كالجبل الأقرع لا تثثبت عليه نقطة ماء" د. محمد بدرة
-         "مجاهدٌ يخطئ ويصيب خيرٌ من قاعدٍ مثبِّط، ومجتهد يخطئ ويصيب خيرٌ من مقلِّدٍ بليد" د. محمد الشنقيطي
-         كثير منا عنده آراء لعلماء أو فقهاء أوساسة أو شيوخ وهذه الأقوال مقدمة ومسلمة، ولا يمكن تجاوزها ولا مناقشتها فكيف سنضيف أو نطور إذاً؟  د.سلمان بن فهد العوده
-         دائما كل انسان متعلم مستخدم لعقله يكون له فهم خاص به للدين, كان ذلك في كل الحضارات وفي كل العصور وسيظل كذلك, ودائما ما يكون فهم العلماء والمفكرين للحقيقة مختلف عن فهم العامة التابعين لرجال الدين الذين يقودونهم ويوجهون افكارهم, وغالبا ما يكون الاقلية المفكرة مكفرة من الاغلبية المقلدة والغير مفكرة, قد تكون بعض أفكار د.  أحمد عمارة صادمة و مخالفة للفهم المعروف  (ليس من الضروري ان نتوافق معه كلية ) لكنها قد تساعد في تحريك العقول واخراجها من ظلام الجهل واتباع الخرافات, قال تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) الأعراف آية 179
بسم الله نبدأ ..

خلقنا الله لنعبده (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: 56,

و أفضل العبادة هو الدعاء , عن ابن عباس رضي الله عنه: " أفضل العبادة هو الدعاء " ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ),

والدعاء هو : قال الخطابي: "معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه" - شأن الدعاء (ص4),

وأفضل الدعاء هو الحمد قال صلى الله عليه وسلم (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله )

إذن.. فالله تعالى خلقنا لكي ندعوه فيستجيب لنا فنحمده ونشكره فيزيدنا.

قانون الحياة هو اليسر, قال تعالى: (يريد الله بكم اليُسر ولا يريدُ بكم العُسر. البقرة 185), وقال: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى), لاحظوا هنا كيف أنّ الله استخدم لفظ التيسير لليسرى أو للعسرى, مهما كان اختيار الإنسان فالتيسير بالحياة هو القاعدة.

مما تقدم يتضح لنا بأن الله خلقنا لنعيش الحياة بيسر ونستمتع بخيراتها كما أمرنا مما يستوجب الحمد والشكر, وهذا يخالف الاعتقاد السائد بأنّ الأصل في الدنيا هو الابتلاء والمكابدة والشقاء ، وقد ينعم الإنسان ويسعد ، ولكن النعيم والسعادة شيئان طارئان غير دائمين !

من وجهة نظري أرى أن الكثير من المشايخ وأتباعهم من عامة الناس, صوّروا لنا بأن المؤمن الحق هو من يتخلى عن الدنيا ويعيش فيها تعيسا تحاصره الابتلاءات, لكي ينال الجنة! ونشروا مفهوم الابتلاء بطريقة سلبية وبالغوا في استخدام أسلوب الترهيب والتخويف, مع أن رسول الله قال: " بشّروا ولا تنّفروا".

الابتلاء أو البلاء معناه الاختبار, وقد يكون الابتلاء إيجابي بالخير كالمال والأولاد وقد يكون سلبي بالشر كالفقر والمرض.

وقد انتشر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم – حديث (إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه) والأصح { إذا أحب الله قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط }, وقد تم تفسير هذا الحديث بأسلوب منفّر للأسف وذلك بأن هذا البلاء سلبي.

ملاحظة مهمة: الإبتلاءات السلبية يكون في ظاهرها العذاب وفي باطنها الرحمة, إذا صبر العبد  ورضي, لذلك فإن كل الابتلاءات خير فلا داعي للتشاؤم والقنوط والحزن فأنت الرابح أولا  وأخيرا.

حقيقة مهمة: البلاءات التي تنزل بالعاصي تذكير وإنذار حتى يعود ويؤوب ويتوب , والبلاءات التي تنزل بالمؤمن تطهير وتمحيص وتكفير لسيئاته وذنوبه , ورفع لدرجاته وستر لعيوبه , قال تعالى {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141) سورة آل عمران

وقال صلى الله عليه وسلم : « ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (صحيح الجامع).

الكثير من المشايخ والناس يستخدم الآية ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ليبين أن حياتنا كلها مكابدة وعناء وهنا مفهوم  خاطئ خطير, لأنك عندما تؤمن بأن الله كتب علينا العناء في الحياة فستقتنع بذلك ولن تحاول أن تكون سعيدا.

يقول الدكتور أحمد عمارة بأنه بحث في 62 تفسيراً عن معنى الآية فوجد أن 70% منها يقول بأن كبد تعني منتصباً, و20% يقول بأن كبد تعني لابد أن يكابد أمور الدنيا والآخرة, 10% فقط يقول بأن كبد تعني شدة ووصب !

طبعا قمت بعمل بحثي الخاص ووجدت أنه اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب, وقال آخرون معناه: أن الإنسان خلق منتصبا معتدل القامة, وهناك فريق ثالث يقول بأن  معناه:  أنه خلق في السماء.

مثلا في تفسير ابن كثير,قوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) روي عن بن مسعود وبن عباس وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصبا زاد بن عباس في رواية عنه منتصبا في بطن أمه والكبد الاستواء والاستقامة ومعنى هذا القول لقد خلقناه سويا مستقيما كقوله تعالى ( يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) وكقوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).

السؤال: لماذا انتشر المعنى السلبي ولم ينتشر المعنى الآخر؟ وحتى لو كان معنى الآية مكابدة أمور الحياة, فهل بالضرورة أن تكون هذه المكابدة شيء سيء وأليم؟

 نعود الآن للعقل وقوة التفكير..  ونُأكد أنَ:

"كل ما يحدث لك من سلبيات في الحياة أنت السبب فيها بنسبة 100% حتى لو كنت تظن أنها جاءتك عن طريق لا دخل لك فيه, هذا مجرد ظن, لكن الحقيقة أنك السبب في كل تفاصيل حياتك السلبية."

انتبه:
" من الممتع بل من المريح جداً أنك السبب في كل ما يحدث لك من سلبيات, لأنك بهذا تملك في هذه اللحظة كل الأدوات التي تستطيع بها تغيير كل ما هو سلبي في حياتك, هي نعمة لا تقدر بثمن."

والأدلة التي تؤكد بأن كل ما يصيبنا من شر فهو من أنفسنا  وأن الله لا يبتلينا إلا بالخير (حتى لو كان ظاهره شراً), هي كثيرة بالقرآن والسنة, ونذكر منها:

·        (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) – آل عمران 165.
·        (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) – النساء 62.
·        (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) – القصص 47.
·        (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) – الشورى 30.
·        (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) – النساء 79.
·        (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) – الروم 36.
·        (وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) – آل عمران 117.
·        (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) -  الأنعام 26.
·        (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ)-الأنعام 104
·        (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) – الأنعام 164.
·        ( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) – التوبة 70.
·        (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) – يونس 44.
·        (وا ظلمنهم ولكن ظلموا أنفسهم) – هود 101.
·        (فما كان الله لظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) – الروم 9.
·        (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) – فصّلت 67.
·        (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون) – الجاثية 15.
·        (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) – الجاثية 22.
ومن الحديث النبوي:
·        عن أبي موسى - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، وقرأ : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . رواه الترمذي .
·        عن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة).
·        عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال : " إِنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِي عَبْدَهُ بِالسَّقَمِ حَتَّى يُكَفِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ كُلَّ ذَنْبٍ ".
·        عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : (الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
سأنهي هذه الحلقة بالتأكيد على أنك المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث في حياتك وستحاسب عليه, لذلك لابد من التوقف عن لوم الظروف والأهل والقدر وغيرها والبدء بالعمل.

حياتك أنت تمتلكها فاجعلها جنة.


يتبع ..
المصادر:
-         خواطر قرآنية للشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله).
-         دورة " قوة الكلمة والتفكير" للدكتور أحمد عمارة.
-         موقع صيد الفوائد. http://saaid.net/
-         تم التحقق من كل الآيات  القرآنية والأحاديث من موقع المكتبة الإسلامية. http://library.islamweb.net/newlibrary/index.php

الجمعة، 10 مايو 2013

قوة الكلمة والتفكير – الحلقة الأولى


لماذا يوجد إنسان سعيد وآخر حزين؟ ولماذا يوجد إنسان فرح وثري وآخر بائس وفقير؟ ولماذا يوجد إنسان خائف وقلق وآخر مليء بالثقة  والإيمان؟ لماذا يحقق إنسان نجاحا باهرا بينما يفشل إنسان آخر فشلا ذريعا؟

ولماذا يشفى إنسان من مرض عضال ولا يشفى منه إنسان آخر؟ ولماذا يعاني  العديد من الأشخاص الصالحين المتدينين من عذاب روحي وجسدي لا حد له؟ ولماذا يحقق العديد من الأشخاص غير الصالحين وغير المتدينين نجاحا وازدهارا ويتمتعون بصحة وافرة؟ ولماذا يحظى شخص بحياة زوجية سعيدة ولا يحظى شخص آخر بها ويشعر بالتعاسة وخيبة الأمل؟

يوجد إجابة منطقية ومقنعة لكل هذه التساؤلات ! وبعد قراءة المادة التي جمعتها عن قوة الكلمة والتفكير والتي ستكون من 6 إلى 8 حلقات, ستعرفون الإجابة على هذه التساؤلات بإذن الله.

معظم الناس يمنحون أنفسهم جزءا بسيطا من البهجة والرضى اللذين وضعهما الله أمام أعيننا فهم مشغولون للغاية بالتفاصيل اليومية للكفاح من أجل لقمة العيش, حتى أنهم يتناسون التمتع بعجائب الحياة وروعتها, وهناك طريقة يستطيع بها كل منا أن يغير هذا الوضع ويعيد الحيوية إلى حياته, ولكن لنتعرف أولا على سبب وجودنا والمقوّمات التي منحنا الله اياها ...


قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)
عرض الله الأمانة على جميع المخلوقات فأبوا أن يحملوها وقبل الإنسان أن يحملها  لذلك كان أكرم المخلوقات على الله, ولذلك أعطاه الله مقومات حمل الأمانة وأمر الملائكة بالسجود له.

ما الأمانة ؟
الأمانة في رأي العلماء ، نفسك التي بين جنبيك ، هذه أمرها بيدك ، مصيرها إليك كُلفت حملها ، أي كُلفت أن تعرفها بربها ، كُلفت أن تحملها على طاعته ، كُلفت أن تزكيها كُلفت أن تأهلها للجنة ، كُلفت أن تسمو بها.

مقومات حمل الأمانة:
1-    الكون
أعطاك الكون ، الدليل :
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) -سورة الجاثية الآية : 13
الكون مسخر للإنسان ، تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ،
تسخير التعريف يقتضي أن تؤمن به ، وتسخر التكريم يقتضي أن تشكره ،
فإذا آمنت به وشكرته حققت الهدف من وجودك

2-    الفطرة
أعطاك فطرة ، لو أنك لم تعمل عقلك كما أنه لم تقرأ كتابك ، أعطاك بنية نفسية جبلة ، فطرة تكشف لك الخطأ ذاتياً .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) سورة الشمس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس )

3-    الشهوة
أعطاك شهوة هي ثمن الجنة ، ما أودع الله بالإنسان الشهوات إلا ليرقى بها مرتين ، مرة صابراً ، ومرة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، هذا الميل نحو المال نحو المرأة ، نحو العلو في الأرض ، أودع فيك الشهوات ،

قال الله تعالى في القرآن الكريم: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاسورة آل عمران الآية : 14

أعطاك الشهوات لترقى بها ، وهي حيادية ، وما من شهوة أودعها الله فيك إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فلا حرمان بالإسلام ، وما من شهوة أودعها الله فيك إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.

لكن المحرمات ليست قيوداً لحريتك ، بل هي ضمان لسلامتك ، المحرمات تماماً كلوحة كتب عليها : حقل ألغام ممنوع التجاوز ، لا تشعر بحقد أبداً على من وضع اللوحة ، بل تشكره من أعماق أعماقك ، لأنه ضمن لك بهذه اللوحة سلامتك ، كما لو وضعت لوحة أمام تيار توتر عال : ” ممنوع الاقتراب خطر الموت ” ، اللوحة رحيمة ، اللوحة فيها علم ، فيها حكمة ، فيها رحمة ، فيها قيادة حكيمة للمواطنين ، ممنوع الاقتراب خطر الموت .

4-    حرية الاختيار
أعطاك حرية ، أنت حر .قال الله تعالى في القرآن الكريم: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) سورة الكهف الآية : 29
ما لم تكن حراً لا يثمن عملك ، ما لم تكن حراً فلا يمكن أن ترقى إلى الله عز وجل ، أنت حر فيما كلفت به ، لكن الذي لست حراً فيه ما إن كنت ذكراً أو أنثى ، ومن أبوك وأمك ، وفي أي مكان ولدت ، وفي أي زمان ولدت ، هذه لمصلحتك ، ومحض خير لك ، وليس في إمكانك أبدع مما أعطاك .

إذاً : أعطاك حرية الاختيار ليثمن عملك ، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، أنت حر ، مخير .

5-    المنهج الإلهي
أعطاك منهجاً ، لو أن الأمور التبست عليك ، هناك منهج ، الكتاب ، والسنة ، افعل ولا تفعل ، هذا المنهج قال عنه العلماء : الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، والشريعة عدل كلها ، والشريعة رحمة كلها ، والشريعة حكمة كلها ، والشريعة مصلحة كلها ، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة ، ومن العدل إلى الجور ، ومن الحكمة إلى خلافها ، ليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .
إذاً : نحن قد خلقنا ربنا ، ولأنه خلقنا أمرنا أن نعبده .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ)

6-    العقل (البسيط و المركب)
وقد ذكرت كلمة العقل المدبٍر في القرآن بثلاث مصطلحات هي: هدى , ذكر, أسباب

قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) – طه 124, وهنا كلمة ذكري تعني قوانيني.

ويأمرنا الله  بسؤال أهل الذكر, قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) –النحل 43 وأيضاً ذكرت في سورة الأنبياء آية 7
وهنا يقول د. أحمد عمارة بأن معنى أهل الذكر أي أهل الاختصاص, فعندما تتعطل سيارتك تذهب إلى الميكانيكي, فهنا الميكانيكي من أهل الذكر.

وينقسم عقل الإنسان إلى قسمين:

1-    العقل البسيط (البدائي أو الباطن أو اللاواعي):
-         يعمل بتلقائية. (مثلا حتى وأنت نائم يستمر بالعمل والتحكم بعملية التنفس)
-         يعمل وفق البرامج الثابتة البسيطة المبرمجة فيه.
-         يأخذ الأسماء فقط من العقل المطوّر ويحقق هذا الإسم وفق البرامج المسجلة فيه.  (أي شيء يقوله العقل الواعي سينفذه العقل البسيط فإذا كررت قولك بأن  الحياة صعبة, فسيعمل العقل البسيط على تصعيب كل شيء فيها !)
-         هذه الأسماء (أو الأوامر) يأخذها العقل البسيط من العقل الواعي عن طريق الحديث الداخلي والخيال والصور الذهنية المسبقة منك ومن الآخرين من حولك. (لذلك يجب أن تنتبه جيدا لما تقوله لنفسك وما تفكر فيه وما تسمعه من الآخرين أو من الأغاني الحزينة! )
-         إذا كرر العقل المطور بعض  الأسماء وأعطاها  الموافقة والأمان فإنها ستخزن في العقل البسيط تلقائياً. (مثلا اذا كررت القول بأن الاستيقاظ صباحا مُتعب أو انك كبرت وعجَزت – حتى لو مزح - , سيعمل عقلك البسيط على إعطاء أوامر التعب إلى جسمك كل صباح فالعقل البسيط لا  بفهم  المزح ولا يفرّق بين  الحقيقة والخيال).
-         كل المخلوقات حتى الجمادات لها عقل بسيط وعقل الإنسان البسيط متصل معها. (فالقلم مثلا له عقل بسيط وهو خواصه الفيزيائية والغاية التي صنع لأجلها, فإذا عرف الإنسان قوانينه تمكن من استعماله والاستفاده منه,  وهذا ينطبق على كل المخلوقات)
-         كل المخلوقات المحسوسة كالكائنات الحية  والجمادات, والغير محسوسة كالمشاعر والمرض, كلها من  جنود الله ولها عقل بسيط. (إذا رفضت جنود الله ستزيد, أي اذا رفضت المرض وسخطت ولم ترضى بقدر الله وتسعى للشفاء وتأخذ بأسبابه فسيزيد المرض)
2-    العقل المركّب (المطوّر, الواعي)
-         يستطيع إنشاء أوامر جديدة كليا.
-         يقوم بإعطاء الأسماء لكل ما يحدث من حولك.
-         يستطيع تركيب أكثر من اسم وله إرادة  كاملة في وضع  الاسم الذي يريده.
الفرق بين العقل المطور والعقل  البسيط:
العقل المطوّر
العقل البسيط
العمليات العقلية الواعية كالتفكير والتحليل
العمليات العقلية اللاواعية كالتنفس والهضم
يستطيع التركيز على (3 إلى 7)  أشياء في نفس الوقت
اكثر من عشرة مليارات شيء في نفس الوقت
يفهم النفي
لا يفهم النفي (فإذا قلت لن أمرض سيفهم أمرض )
يفرق بين الحقيقة والخيال
لا يفرّق بين الحقيقة والخيال
لا بد أن ينام
لا ينام نهائيا
قدراته محدودة
قدراته غير محدودة

الفلتر: يكون بين العقل البسيط والمطوّر ووظيفته تسجيل كل الأسماء التي تمر عليه ثم يبدأ بتمريرها تلقائيا للعقل البسيط.

فضلا انتبه:
العقل المطوّر يقود البسيط, والبسيط يقود كل العقول البسيطة لكل المخلوقات من حولك, وبتحكمك بأفكارك وحديثك الداخلي تتحكم في كل شيء في حياتك.

لذا فإن ما يتم برمجته في الفلتر هو الذي يقود كل الأمور من حولك سلبا وإيجابا وبتحكمك في ما هو مبرمج في الفلتر تتحكم في كل شئونك ومستقبلك القادم.

وهذه البرمجة تتم عن طريقتيين:

1-    التكرار (تحتاج من 7 إلى 21 محاولة ناجحة لكي تتم البرمجة), أي أن تقوم بصياغة الفكرة التي تريد زرعها في  عقلك الباطن (مثلا: أنا أمتثل للشفاء وكل قوى عقلي البسيط تتحد مع كل المخلوقات لشفائي بإذن ربي, وأكرر هذه العبارة قبل النوم  وعند الاستيقاظ لمدة 21 يوم, فيتبرمج عقلي البسيط على فكرة الشفاء).
2-    الكثافة الحسية (كلما كانت المشاعر قوية جدا كلما حدثت البرمجة من أول مرة), أي إذا كنت حزينا جدا وقلت بأنك فاشل, فسيتبرمج عقلك البسيط من  أول مرة على أنك فاشل.
فضلا انتبه:
يطلق العقل البسيط عن طريق الفلتر الإشارات  لكل العقول البسيطة في الكون فيتم التفاعل معها وهنا تبدأ الفرص بالظهور للشخص, هنا ينبغي عليه بشدة أن يكون يقظ ومهيئا لاستقبالها.

لتنقية الفلتر كرر كل صباح بيقين " أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين".

عندما تدعو فإن الله يستجيب ويرسل لك جنود الاستجابة لكن بقانون التدرج, فإذا أرسل إليك القليل اقبل  واحمد الله لكي يزيد.

الصلوات والتضرعات تستجاب بغض النظر عن العقيدة, الإجابة لا تكمن في عقيدة بعينها أو ديانة ما أو أداء شعائر أو طقوس معينة أو تقديم قرابين أو التلفظ  بأدعية بعينها, وإنما تكمن الإجابة في الإيمان أو القبول العقلي لما ييصلي من أجله الناس, أي عندما يستجيب العقل البسيط (الباطن) للصورة  الذهنية أو الفكر في العقل المطوّر(الواعي) للإنسان.

يتبع ..

المصادر:
-         قصة الخلق وسبب وجود الإنسان, لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-01-12
-         دورة "قوة الكلمة والتفكير" للدكتور أحمد عمارة - استشاري صحة نفسية بالطاقة الحيوية
-         "قوة عقلك الباطن" للدكتور جوزيف ميرفي.
- "قوة التفكير" للدكتور ابراهيم الفقي.